الإيمان بالقضاء والقدر
موضوع المسألة: الإيمان بالقضاء والقدر.
🔴 السؤال: أنا فتاة دخلت في سن العنوسة وقد تقدم أحد لخطبتي غير أن الخطبة لم تتم وألغيت، وبقي قلبي متعلقا به حتى صار لا يفارق مخيلتي، أشعر بأن الله غاضب عليّ وأخاف أن يكون الله غير راض عني، لأن هذا الخاطب قد غيّر رأيه وصرف فكره عن الزواج مني، فهل عدم الزواج مكتوب علي وهي قسمتي ونصيبي؟
🔴 الجواب:
أوّلًا: لا بدّ من توضيح أمور هامّة في عقيدة المسلم وهي:
1 ـ أنّ كلّ شيء بإرادة اللّه تعالى، يفعل ما يشاء في خلقه.
قال اللّه تعالى: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [التوبة: 51].
وقال: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [يونس: 107].
2 ـ أنّ الزّواج لا يَتِمُّ إلّا بتقدير اللّه وإرادته، وهو من الرّزق الذي يؤتيه اللّه عباده، قال اللّه تبارك وتعالى: ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ﴾ [النحل: 72].
وقال تعالى: ﴿لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾ [الشورى: 49 ـ 50].
وقال عزّ وجلّ حكاية عن مريم عليها السّلام: ﴿وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [آل عمران: 37].
3 ـ أنّ المؤمن يرضى بقضاء اللّه، ولا ييأس من روح اللّه، لأنّه يعلم أنّ رحمة اللّه قريب من المؤمنين.
قال اللّه تعالى: ﴿ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ [يوسف: 87].
وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ﴾ [الحجر: 56].
4 ـ أنّ المؤمن أمله في اللّه لا ينقطع، لا يملّ من السّؤال، ولا يَكَلُّ عن الدّعاء، لأنّ اللّه عزّ وجلّ يحبّ من يطرق بابه ليسأله من فضله، ولا يَرُدُّ يَدَ السّائل خائبة دون أن يعطيه ما سأل، إمّا في العاجل أو الآجل.
قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: 186].
وقال تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: 60].
ثانيًا: بالنّسبة لما حدث لك، فلا بدّ أن تعلمي ما يأتي:
1 ـ أن ما تجدينه من ميل نحو الخاطب شعور فطري، جعله اللّه تعالى في عباده، كما قال اللّه تبارك وتعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم: 21].
لكن لا ينبغي أن تعيشي في الأوهام وتغرقي في الأحلام، لأنّ الخاطب قد عزف عن الخطبة وفكّر في الارتباط بفتاة أخرى، فعليك أن تعيشي واقعك وتفكّري في مستقبلك، واجعلي أملك في اللّه كبيرًا أن يرزقك زوجًا غيره يكون أصلح لك.
2 ـ أنّ شعورك بأنّ اللّه غاضب عليك، وخوفك من أن يكون اللّه غير راض عنك، لأنّ هذا الخاطب قد غيّر رأيه، وصرف فكره عن الزّواج منك، شعور ينبغي التّخلّص منه، لأنّه ليس بالضّرورة أن يكون ما حدث لك سببه غضب اللّه عليك، فلعلّه شرّ صرفه اللّه عنك وأنقذك منه وأنت لا تدرين.
وعلى المؤمن أن يربط قلبه بربّه، ويفوّض أمره إليه، كما جاء في الحديث الذي رواه أحمد والتّرمذي بسند صحيح عن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «يَا غُلَامُ، إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ».
3 ـ عليك بالرّجوع إلى اللّه تعالى، والإلحاح في الدّعاء وطلب الفرج، فإنّ اللّه لا يردّك خائبة، فإذا أخلصت للّه، وفوّضت أمرك له، واستجبت لأمره، فإنّه عزّ وجلّ سيفتح لك أبواب رحمته، ويرزقك من حيث لا تحتسبين، كما قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أََمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾ [الطلاق: 2 ـ 3].
واحرصي على أن تقومي قبل الفجر للدّعاء، فإنّ هذا الوقت من أوقات الاستجابة، فإذا فعلت ذلك وأخلصت الدّعاء للّه، ودعوت اللّه بإلحاح وأنت موقنة بالإجابة، فإنّ اللّه لا يُخَيِّبُ مسعاك، ولا يردّ يديك خائبتين.
ففي الصّحيحين عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «يَنْزِلُ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ كُلَّ لَيْلَةٍ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ».
وروى التّرمذي وحسنه عن أبي أمامة رضي اللّه عنه قال: «قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ؟ قَالَ: جَوْفَ اللَّيْلِ الْآخِرِ وَدُبُرَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ».
4 ـ عليك بوزن الأمور بميزان الشّرع، ولا تقدمي على أيّ فعل حتّى تقلّبي فيه فكرك ونظرك، فإن كان فيه خير ومصلحة فاقدمي عليه، وإن رأيتِ مفسدته أكبر وضرره أكثر فاتركيه.
ولعلّ عدم زواجك إلى الآن وخوفك من فوات الفرصة هو السّبب فيما جرى لك من الحيرة والقلق، فلا تتركي اليأس يستولي على قلبك، واجعلي الأمل دائمًا حاضرًا معك، ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 216].
وأسأل اللّه أن يستجيب دعوتك، وأن يرزقك ما ترغبين من خير الدّنيا والآخرة، وأن يفتح لك أبواب رحمته، إنّه بالإجابة جدير وهو على كلّ شيء قدير.